الثلاثاء، 8 أكتوبر 2013

الفصل الثانى "رابح "

الفصل الثانى 

رابح

-----


بعد عودة " عم ابراهيم " وقد صرف بضاعته توجه الى مخبز المعلم " رابح " الافرنجى مصطحبا ابنه "على " وعندما وصل وقف بالقرب من المعلم " رابح " الذى كان يجلس فى الجانب الايسر لواجهة المخبز وقال فى حماس : - سلاموعليكو يامعلم رابح .....  
 نظر المعلم فى عينى الولد وهيئة ابيه وقال بعد ان ادرك مغزى الزيارة : - اهلا يا..........         وقبل ان يتم عبارته نظر الى الجانب الاخر نحو صبى ببديهة معلم اراد ان يُرى كيف تعامل الصبية وكيف يكون اذعانهم الذى فيه الدليل على ان العمل فى المخبز يعتبر انعاما من المعلم " رابح " يهبه لمن يشاء وقال : " اعدل ياواد الصاج بالطول .... أبوك الحمار بلانى بيك وريح دماغه ... دى حاجة تقرف  ، ثم تنخم فى مبالغة وبصق بالقرب من " على " ثم حول بصره نحو " الشيشة " وانشغل فى سحب أنفاس متواصلة منها ونفث سحابات من الدخان حجبت جزءا كبيرا من وجهه عن الرؤية ....  
صمت " عم ابراهيم " ولم يتحرك وبدأ التفكير فى التنازل عن كثير من الشروط التى كان مقررا لها ان تملى على المعلم .قطع الصمت ان قال المعلم وهو مازال ينظر نحو الشيشة وكانه تذكر شيئا ما : بلاوى ..... 
 تغاضى " عم ابراهيم " عن كل ماحدث وقال بصوت أقل حماسة وكلماته بطيئة بعض الشىء : - ازيك يامعلمنا ؟
 نظر المعلم اليه وكانه تذكره وقال : اهلا يابتاع الكلاب ..... انت موش بتأكل الكلاب برضه ؟ ها ها ها ...... 
 قال " ابراهيم " : - هما اللى بيأكلوها يامعلم .ههههههه        : - هما مين دول اللى بيأكلوها ؟   - : ولاد الناس يامعلم ...
 قال المعلم وهو يشير بيد " الشيشة " نحو الولد : - طيب مايأكلوا الناس الأول ياخويا ...
   - : الكلاب لامؤاخذة يامعلم بيشتروها ... انما الناس مابتتبعش علشان يأكلوها .... ايه جاب الناس اللى زينا لكلابهم الافرنجى ؟ ........
قال المعلم متظاهرا بالاشفاق : -- افرنجى ؟ ... صحيح ... زمن .....!
  قال " ابراهيم " بسرعة : -- على جايلك يامعلم  
قال المعلم  :-- ايه ياخويا ؟....  وهاأكله انا بقى ؟
قال " ابراهيم "  - : ربنا يزيدك ويخليلك عيالك ويرزقك برزقهم                     ومايحوجك لعدو ولا لحبيب ....    - :  يزيدنى هم ؟              - : ربنا يخليك ليهم يامعلم ويباركلك فى صحتك .....   نظر المعلم الى الولد وقال بعد أن تأكد من صلاحيته وتقييم قدراته :  ادخل ياواد الميغة اللى جابك ليها ابوك .... ماهى المشرحة ناقصة قتلة ... 
 لم يفهم الولد ولم يتحرك من مكانه فوكزه ابوه وكزة مغتاظة كادت توقع به وقال بصوت متهلل :  خش ياد اشتغل يالله ... ربنا يخليلنا المعلم ......... 
دخل الولد وهو يتحسس المكان وبعد ان غاب داخل المخبز نظر " عم ابراهيم " فى وجه المعلم مبتسما وقال : ههههه على أول مرة يشتغل يامعلم وهو اخر العنقود وهو ........ قاطعه المعلم قائلا  : روّح ياحنين ..... عنقود ؟ ..... دا وانا قده كنت باصرف على عيلة ياابو عنقود عُجَر انت .....  ثم صرف وجهه نحو الشيشة " وانشغل فيها .
 صمت " ابراهيم " لحظات دون ان تفارقه ابتسامة ليس لها معنى واضح محدقا النظر
 فى المعلم كانه يتفحصه ثم تماسك وقال : - طيب يامعلم هيه بقى ؟
 رد المعلم بسرعة : - هيه ايه ... احنا لسه شوفنا حاجة ؟ قال : - يعنى ...
قاطعه المعلم : - يعنى اخر الشهر ... اما نشوف .. ياتاخده وتروّح من دلوقتى ..... موش كفاية هانعلمهولك صنعة ؟ .... انت مابتقدرش ؟ الدنيا جرى فيها ايه ياعالم ؟ .......
-- : ربنا يبارك فيك يامعلم .... اهو ابنك برضه ... يالله سلامو عليكو .......
 لم يرد المعلم على الرجل وانشغل " بالشيشة " اتقانا للدور الذى أدّاه ببراعة . 
استدار " عم ابراهيم " وتوجه نحو بيته مهنئا نفسه بالنجاح الذى حققه رغم كل ماحدث .
.....................

 يذهب " على " كل صباح الى المخبز دون تناول افطار لاستيقاظه مبكرا وذهابه الى العمل نصف نائم بعد اخذ قسطا غير وفير من النوم . كان الجوع يستبد به بعد فترة من العمل ولم يسال الولد المعلم اطعاما بعد ان حدث ذلك ذات مرة وكان رد المعلم انه لااكل اثناء العمل مهما كان فى ذلك من مشقة ، فهو يريد من يعمل معه ان يكون رجلا يتحمل كل صعب ولايعطل سير العمل وإلا فلامكان له إلا " جنب امه فى البيت " ، كذلك لم يكرر طلب المال من ابيه كى يشترى ماياكله عند الجوع حيث كان رد ابيه انه لايصدقه فى انه يجوع فى العمل ولايصدقه فى ان المعلم يمنعه من الاكل لانه يعمل فى مخبز المعلم " رابح " الذى لاقيمة للاكل عنده واتهمه بان ذلك احتيال للتملص من العمل الذى لاسبيل الي غيره باى حال من الاحوال وقد اكد له بحسم انه لن يستطيع اعطاءه اى شىء مهما حدث الا بعد شهر ، بعد ان يحاسب المعلم ,  لانه - حتى الان - " لم ياكل شيئا كى يشرب عليه" ...  
 وللاسف كان " قليل البخت " شديد الحياء - وهذا طبيعى - فقد اورثت الطبيعة المحرومين حياء مابعده حياء .. حياء يمنعهم من التماس ماهم فى امس الحاجة اليه ...    " وتحسبهم اغنياء من التعفف " ، وحبت ذوى اليد الطولى اعتدادا مابعده اعتداد ، ووقاحة مابعدها وقاحة ... " وتحسبهم فقراء من التوقح " وكل شىء وكل انسان يسخر لهم تسخيرا ، بخلاف الكلاب طبعا حيث انها ليست من الاشياء ولاهى كذلك من الانسان ، انما هى منزهة عن هذا وذاك .... ولامحل لها من التصنيف ............!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق